الإحسان إلى المرأة في ضوء الكتاب والسنة
المرأة في الإسلام ليست مجرد فرد في المجتمع، بل هي لبنة أساسية في بناء الأمة، ومكون محوري في تربية الأجيال وصناعة الحضارات. لقد كرم الإسلام المرأة ورفع من شأنها، وفرض الإحسان إليها في كل مراحل حياتها، أماً كانت أو بنتاً أو زوجة أو أختاً أو جارة. والإحسان إلى المرأة ليس تفضلاً من الرجل، بل هو واجب شرعي والتزام أخلاقي يُحاسب المرء عليه في دنياه وأخراه.
الإسلام جاء في بيئةٍ جاهلية أهدرت كرامة المرأة وألغت إنسانيتها، فكانت تُورث كما يورث المال، وتُدفن حيّة خشية العار، وتُعامل كسلعة تباع وتُشترى. فجاء الوحي ليقول ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ﴾ [الإسراء: 70]، ويثبت أن المرأة كالرجل في الإنسانية، والشرف، والكرامة، والحقوق والواجبات.
أولاً: مكانة المرأة في القرآن والسنة
القرآن الكريم زخر بآياتٍ عديدةٍ تبرز مكانة المرأة، وتبين أهمية الإحسان إليها، وقد قرن بين البر بالوالدين وبين شكر الله تعالى، كما في قوله: ﴿أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ﴾ [لقمان: 14]. والأم لها منزلة خاصة، فقد جاء في الحديث الصحيح حين سأل رجلٌ النبي صلى الله عليه وسلم: “من أحق الناس بحسن صحابتي؟” قال: “أمك”، قال: “ثم من؟” قال: “أمك”، قال: “ثم من؟” قال: “أمك”، قال: “ثم من؟” قال: “أبوك” [رواه البخاري ومسلم].
وفي الحديث الصحيح: “استوصوا بالنساء خيراً”، وهو أمرٌ نبوي صريح بوجوب الإحسان إلى المرأة، وقد كرره النبي صلى الله عليه وسلم في أكثر من موضع، خاصة في خطبة حجة الوداع التي تعتبر إعلاناً ختامياً للمنهج الإسلامي الكامل.
ثانياً: الإحسان إلى المرأة زوجة
الزوجة هي شريكة الحياة، وسكن الرجل، ورفيقة دربه، وقد جعل الله العلاقة الزوجية قائمة على المودة والرحمة، كما في قوله تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾ [الروم: 21].
ومن صور الإحسان إلى الزوجة:
-
النفقة الكريمة: فالزوج ملزم شرعاً بالإنفاق على زوجته بالمعروف، قال تعالى: ﴿وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [البقرة: 233].
-
المعاملة الحسنة: قال النبي صلى الله عليه وسلم: “خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي” [رواه الترمذي].
-
المشاركة العاطفية والإنسانية: فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يمازح أزواجه ويشاورهن، ويشاركهن أفراحهن وأتراحهن.
-
عدم الإيذاء النفسي أو الجسدي: فقد حرم الإسلام ضرب المرأة أو إذلالها أو إهانتها، بل جعل ذلك من أبشع صور الظلم.
ثالثاً: الإحسان إلى المرأة أماً
الأم هي أول باب من أبواب الجنة، وبرّها والإحسان إليها مقدّم على كثير من الأعمال، وقد قرن الله طاعتها بطاعته، ونهى عن التأفف لها ولو بكلمة، فقال: ﴿فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ﴾ [الإسراء: 23].
وقد ورد في الحديث: “الجنة تحت أقدام الأمهات” [رواه النسائي في الكبرى]. فالإحسان إلى الأم لا يُختصر فقط في رعايتها ماديًا، بل يشمل حسن الاستماع لها، وتقديم حاجاتها، وإكرامها في الكبر، والدعاء لها بعد وفاتها.
رابعاً: الإحسان إلى المرأة بنتاً
لقد جاء الإسلام ليُصحّح النظرة المجتمعية للبنت، ويمنحها القيمة التي تستحقها، ويدعو إلى الإحسان في تربيتها. قال النبي صلى الله عليه وسلم: “من عال جاريتين حتى تبلغا، جاء يوم القيامة أنا وهو كهاتين”، وضمّ أصابعه [رواه مسلم].
والإحسان إلى البنت لا يعني فقط الإنفاق عليها، بل في تربيتها على الدين والخلق، وتعليمها، وتشجيعها، وحمايتها من مظاهر الانحراف، وتزويجها بالكفء.
خامساً: الإحسان إلى المرأة أختاً وقريبةً وجارة
الإحسان لا يتوقف على علاقة النسب المباشر، بل يتعدى إلى جميع النساء ممن هنّ في محيط الإنسان، كالأخت، والعمة، والخالة، والجارة، وغيرهن. قال النبي صلى الله عليه وسلم: “ليس منا من لم يوقر كبيرنا، ويرحم صغيرنا، ويعرف لعالمنا حقه” [رواه أحمد].
فمن صور الإحسان لهن: زيارتُهن، ودعمُهن في الحاجات، وتقديمُ النصح لهن بالحكمة والموعظة الحسنة، والتدخل في حال تعرضهن للظلم، والدعاء لهن، وعدم أذيتهن بالقول أو الفعل.
سادساً: مظاهر واقعية للإحسان إلى المرأة في عهد النبوة
-
خديجة بنت خويلد رضي الله عنها: كانت مثالاً للمرأة الصالحة في حياتها الزوجية، وقد أحسن إليها النبي صلى الله عليه وسلم في حياتها وبعد وفاتها، فكان يذكرها بالخير، ويكرم صديقاتها.
-
عائشة رضي الله عنها: كانت تُعامل بالحب والاحترام، حتى في أوقات الغيرة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يسابقها ويمازحها.
-
النساء في الغزوات: لم يُقصِ النبي النساء من المجتمع، بل لهنّ دور فاعل، كما شاركن في التمريض، والرعاية، وطلب العلم.
سابعاً: حقوق المرأة في الإسلام وأثر الإحسان في حفظها
الإسلام أعطى المرأة حقوقاً مالية، واجتماعية، وإنسانية متكاملة، وجعل الإحسان إليها سبباً لصيانة هذه الحقوق، ومن أهمها:
| الحق | توضيح |
|---|---|
| الحق في الميراث | أعطاها الإسلام نصيباً من الميراث بحسب حالتها، بينما كانت تُحرَم منه في الجاهلية |
| الحق في التعلم | قال النبي: “طلب العلم فريضة على كل مسلم”، ويشمل النساء أيضاً |
| الحق في اختيار الزوج | لا يجوز تزويجها بغير رضاها، وقد رد النبي نكاح امرأة زُوِّجت بغير إذنها |
| الحق في العمل والكسب | شرط ألا يُخلّ ذلك بدينها ولا بواجباتها الأسرية |
| الحق في الرعاية الكاملة | من قبل والدها أو زوجها أو أبنائها في مختلف أطوار حياتها |
ثامناً: أثر الإحسان إلى المرأة على المجتمع
حينما تُكرم المرأة وتُعامل بالإحسان، يثمر ذلك مجتمعاً متوازناً:
-
تنشئة جيل صالح: فالأم هي المدرسة الأولى في حياة الطفل، وإن صلحت الأم صلح المجتمع.
-
انتشار السكينة والرحمة داخل الأسرة: فالإحسان يولد الألفة، ويُضعف منسوب العنف.
-
تحقيق العدل الاجتماعي: فإعطاء المرأة حقها هو جزء من تكامل منظومة العدالة في الأمة.
-
رفع مستوى الأخلاق العامة: لأن في احترام المرأة مظهرًا من مظاهر الكرامة الإنسانية.
تاسعاً: مظاهر تقصير الناس اليوم في الإحسان إلى المرأة
رغم وضوح تعاليم الإسلام في هذا الباب، إلا أن كثيراً من المجتمعات تشهد مظاهر خطيرة من الإهمال والتقصير، منها:
-
حرمان المرأة من الميراث باسم العادات.
-
تزويجها دون رضاها، بل وفرض بعض صور الإكراه.
-
العنف الأسري الذي يصل إلى الضرب والطرد والتجويع.
-
الغلو في الانتقاص من قدراتها وقدرات عقلها.
-
التسلط باسم القوامة دون فهم معناها الصحيح.
عاشراً: وسائل عملية لتحقيق الإحسان إلى المرأة
-
التثقيف الشرعي: بنشر المفاهيم الصحيحة عن المرأة من خلال الخطب والدروس.
-
القدوة العملية: أن يكون الآباء والأزواج قدوة في الإحسان.
-
إشراك المرأة في بناء المجتمع: بفتح المجال أمامها للمساهمة في مؤسسات المجتمع.
-
ردع الظلم قانونياً وشرعياً: بتفعيل الأحكام الشرعية ضد من يظلم المرأة.
-
دعم مؤسسات الإصلاح الأسري: وتشجيع برامج التوعية بحقوق المرأة.
خاتمة
إن الإحسان إلى المرأة ليس شعاراً مؤقتاً ولا حالة اجتماعية طارئة، بل هو عبادة مستمرة وطريق إلى الجنة، وسلوك حضاري يعكس مدى رقيّ الإيمان وكمال الخلق. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إنما النساء شقائق الرجال” [رواه أبو داود].
ومن هنا، فإن الحفاظ على كرامة المرأة، والإحسان إليها في القول والفعل، والاعتراف بمكانتها في جميع مراحل حياتها، يمثل ركيزة من ركائز العقيدة الإسلامية، وهو في الوقت ذاته معيار حقيقي لمدى التزام الأمة بدينها وخلق نبيها.
المراجع:
-
صحيح البخاري، كتاب الأدب، باب “من أحق الناس بحسن الصحبة”.
-
صحيح مسلم، كتاب الرضاع، باب “الوصية بالنساء”.
